سورة النحل - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أي بأن اعبدوا الله ووحدوه. {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} أي اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم، وكل من دعا إلى الضلال. فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ أي أرشده إلى دينه وعبادته.
{وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} أي بالقضاء السابق عليه حتى مات على كفره، وهذا يرد على القدرية، لأنهم زعموا أن الله هدى الناس كلهم ووفقهم للهدى، والله تعالى يقول: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} وقد تقدم هذا في غير موضع. {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي فسيروا معتبرين في الأرض. {فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أي كيف صار آخر أمرهم إلى الخراب والعذاب والهلاك.


{إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (37)}
قوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ} أي إن تطلب يا محمد بجهدك هداهم. {فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} أي لا يرشد من أضله، أي من سبق له من الله الضلالة لم يهده. وهذه قراءة ابن مسعود واهل الكوفة. ف {يهدى} فعل مستقبل وماضيه هدى. و{مَنْ} في موضع نصب ب {يَهْدِي} ويجوز أن يكون هدى يهدى بمعنى اهتدى يهتدى، رواه أبو عبيد عن الفراء قال: كما قرئ {أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى} بمعنى يهتدى. قال أبو عبيد. ولا نعلم أحدا روى هذا غير الفراء، وليس بمتهم فيما يحكيه. النحاس. حكى لي عن محمد بن يزيد كأن معنى {لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} من علم ذلك منه وسبق ذلك له عنده، قال: ولا يكون يهدى بمعنى يهتدى إلا أن يكون يهدى أو يهدى. وعلى قول الفراء {يَهْدِي} بمعنى يهتدى، فيكون {مَنْ} في موضع رفع، والعائد إلى {مَنْ} الهاء المحذوفة من الصلة، والعائد إلى اسم {إِنْ} الضمير المستكن في {يُضِلُّ}. وقرأ الباقون {لا يهدى} بضم الياء وفتح الدال، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، على معنى من أضله الله لم يهده هاد، دليله قوله: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ} و{مَنْ} في موضع رفع على أنه اسم ما لم يسم فاعله، وهى بمعنى الذي، والعائد عليها من صلتها محذوف، والعائد على اسم إن من {فَإِنَّ اللَّهَ} الضمير المستكن في {يُضِلُّ}. {وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ} تقدم معناه.


{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38)}
قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ} هذا تعجيب من صنعهم، إذ أقسموا بالله وبالغوا في تغليظ اليمين بأن الله لا يبعث من يموت. ووجه التعجيب أنهم يظهرون تعظيم الله فيقسمون به ثم يعجزونه عن بعث الأموات.
وقال أبو العالية: كان لرجل من المسلمين على مشرك دين فتقاضاه، وكان في بعض كلامه: والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا، فأقسم المشرك بالله: لا يبعث الله من يموت، فنزلت الآية.
وقال قتادة: ذكر لنا أن ابن عباس قال له رجل: يا بن عباس، إن ناسا يزعمون أن عليا مبعوث بعد الموت قبل الساعة، ويتأولون هذه الآية. فقال ابن عباس: كذب أولئك! إنما هذه الآية عامة للناس، لو كان على مبعوثا قبل القيامة ما نكحنا نساءه ولا قسمنا ميراثه. {بَلى} هذا رد عليهم، أي بلى ليبعثنهم. {وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا} مصدر مؤكد، لان قوله: {يبعثهم} يدل على الوعد، أي وعد البعث وعدا حقا. {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أنهم مبعوثون. وفى البخاري عن أبى هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ». وقد تقدم، ويأتي.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14